روائع مختارة | روضة الدعاة | أدب وثقافة وإبداع | كيف نفهم الأستاذ.. فهمي هويدي؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > أدب وثقافة وإبداع > كيف نفهم الأستاذ.. فهمي هويدي؟


  كيف نفهم الأستاذ.. فهمي هويدي؟
     عدد مرات المشاهدة: 2700        عدد مرات الإرسال: 0

لا خلاف بين المثقفين المصريين والعرب على مكانة الأستاذ فهمي هويدي، وأهمية كتاباته باعتباره واحدًا من أصحاب الأقلام الجادة والمؤثرة في الحياة الثقافية المصرية والعربية، وكتاباته ومقالاته اليومية والأسبوعية تنتشر من المحيط إلى الخليج على صفحات الجرائد الأكثر شهرة وتوزيعًا.

وهو الكاتب الوحيد الذي تنشر مقالته الأسبوعية في مصر بالتوازي مع لبنان، الإمارات، قطر، سلطنة عمان، البحرين، الأردن، الكويت.

كذلك ينشر عموده اليومي في مصر وقطر والكويت في نفس الوقت، وكتاباته يتلقاها كثير من القرّاء والمثقفين بقناعة كبيرة ثقة منهم في كتابات الرجل، ولكن مع هذه القناعات التي تؤثر في تشكيل الوعي عند كثير من الناس، نجد مساحة كبيرة من الحيرة والشك عند شرائح أخرى من القرّاء والمعجبين من كتابات الرجل..

فالأستاذ فهمي هويدي الذي يبدو في بعض الأحيان من أكبر المدافعين عن المشروع الإسلامي، وينافح عنه بشدة، نجده في أحيانٍ كثيرة يشارك في عملية الهمز واللمز والطعن في هذا المشروع، ومن أنصار الفكرة العلمانية بحيث لا تستطيع أن تصنِّف إلى أين المدرستين ينتمي الأستاذ الكبير؟

هل هو من المدرسة العلمانية، أم من المدرسة الإسلامية؟! فكيف نفهم هذا التناقض في كتابات الأستاذ فهمي؟ وكيف نستطيع أن نتجاوز المطبات والمزالق الفكرية المبثوثة في كثير من مقالاته دون أن ننزلق فيها ونسايره في أفكار مغلوطة؟ مع الإقرار بمكانته الثقافية العالية.

الأستاذ فهمي هويدي بداية يرفض وصفه بالكاتب أو الصحافي الإسلامي، ويضيق ذرعًا من هذا الوصف؛ لأنّ قولبته - على حد وصفه- تُحدّ كثيرًا من خياراته وقدرته البحثية والنقدية، وباستعراض حياة الأستاذ الصحافية وكتاباته نستطيع أن نضع أيدينا على موضع الاختلاف الواسع مع كتابات الأستاذ؛ فالخلفية الثقافية المضطربة لدى الأستاذ فهمي هي التي قادته وستقوده دومًا للنتائج المشوشة والآراء المضطربة في العديد من كتاباته..

فالأستاذ فهمي هويدي صاحب الخمس وسبعين سنة وُلد في أسرة إخوانية، فأبوه هو الشيخ عبد الرزاق هويدي أحد مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين واعتُقل لفترة طويلة، ومع ذلك فالأستاذ فهمي لم ينشأ ثقافيًّا مثلما أراد أبوه، فقد التحق فهمي بكلية الحقوق في أواسط الخمسينيات في فترة حسّاسة من حياة مصر، كانت تموج وقتها بكثير من المتغيرات التي أثرت على الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية.

فقد كانت فترة تموج بالفكر القومي الناصري الذي عادى الدين والهوية الإسلامية للبلاد، فصارت البلاد وقتها مرتعًا خصبًا للأفكار العلمانية في صورها الشيوعية والاشتراكية والقومية، ولم يسلم مفكرو الوقت من هذه العاصفة الثقافية إلاّ من رحم الله، والأستاذ فهمي هويدي أحد من فُتنوا بهذا الفكر رغم ما لاقه أبوه وأسرته على يد عبد الناصر..

ولما تخرج في كلية الحقوق انضم للعمل بصحيفة الأهرام التي كانت المعقل الثقافي للفكر الناصري، وتأثر بشدّة بكتابات أحمد بهاء الدين وهيكل، وكلاهما من منظّري الفكر الناصري القومي، وظل فترة الستينيات منبهرًا ومتأثرًا بالفكرة القومية الناصرية، ثم كانت النقلة الكبرى في حياته عندما ترك العمل في الأهرام سنة 1976م، ورحل إلى الكويت حيث عمل في مجلة العرب.

وبدأ يغيِّر قناعاته السابقة، وساعده عمله كمحرر متخصص في الشئون الإسلامية بمجلة العربي، ومشاركته المكثفة في المؤتمرات الخارجية في زيارة الكثير من دول العالم الإسلامي، فازدادت معارفه واطّلاعاته بأوضاع المسلمين في كل مكان، وبدأت كتاباته ذات التوجُّه الإسلامي في التبلور، وبدأت مؤلفاته التي تتناول أوضاع المسلمين بما كتبه عن مسلمي الصين ومعاناتهم ثم المشكلة الأفغانية، ثم توالت كتبه عن مشاكل وأوضاع العالم الإسلامي.

المشكلة هنا ليست في تحول الأستاذ من الناصرية إلى الفكرة الإسلامية، فقد سبقه ولحقه في ذلك كثير، ولكن المشكلة أن الأستاذ فهمي لم يتخلَّ يومًا عن خلفيته الثقافية التي صارت بمنزلة الجرح الذي لم يندمل، يعلو على صاحبه من الحين للآخر، فتجد في كتابات الأستاذ السمين والغثّ، وتجد الفكرة الإسلامية القوية والآفة العلمانية الظاهرة.

ولعل هذا يتضح جليًّا في آخر مقالاته "في المصالحة مع التاريخ"، حيث دافع عن عبد الناصر وأتاتورك وأثنى على خدمتهما لبلادهما، في حين تناسى تمامًا ثَبْت جرائم الرجلَيْن المثقل بالعداوة الطافحة للإسلام والمسلمين!!

الأستاذ فهمي هويدي رغم إمكاناته الفكرية الراقية وملكاته اللغوية الباهرة ورحلاته المكوكية وخبرته الصحافية الطويلة التي تقف على أعتاب النصف قرن، رغم ذلك كله إلاّ إنه يفتقر إلى ثقافة إسلامية راسخة وأصيلة؛ فالتشويش الذي لحق بقاعدته الفكرية والثقافية من جرّاء الفكر القومي الناصري جعله يستخدم أدوات هذا الفكر في التعاطي مع التراث والفكر الإسلامي، فتجده بقصدٍ أو بدون قصد يستخدم الأساليب العلمانية والأدوات الفلسفية في نقد السلوك وتقييم الخطاب والأداء للتيار الإسلامي، فنجده يكثر من استخدام لفظة "المطلق" و"النسبي" خاصة فيما يتعلق بأداء الإسلاميين السياسي.

خلفية فهمي هويدي الثقافية جعلته يختار المدرسة العقلانية أو العصرانية كمنهج للتفكير والتقييم دون غيرها من المدارس الفكرية في الإسلام، وهي المدرسة التي أسسها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وتعتمد على إعمال العقل في كل النصوص الشرعية، وجعل العقل حاكمًا وضابطًا لتفسير وتكييف وتطبيق وتنزيل هذه النصوص، وهي المدرسة التي نشأت كردّ فعلٍ على حالة التفوق الغربي على العالم الإسلامي الذي كان يشهد تراجعًا واسعًا في شتى المجالات وقت ظهور هذه المدرسة أواخر القرن التاسع عشر ميلادي.

هذا الاختيار جعل الأستاذ فهمي هويدي في حالة انتقاد دائم للتيار السلفي، فـ "السلفية" كمنهج تتقاطع كليًّا مع المدرسة العقلية التي تُقدِّم العقل على النقل، وبجولة سريعة لمقالات الأستاذ فهمي بعد الثورة نجد أن معظمها يدور في فلك انتقاد التيار السلفي، خاصة بعد دخوله غمار السياسة والعمل الحزبي؛ فهويدي من أشد الرافضين لاشتغال السلفيين بالسياسة.

ليس من باب الحفاظ على الدعوة ولكن من باب عدم أهليتهم لمثل هذه الأنشطة، فهو ينتقد طريقة تفكير السلفيين وأداءهم الحركي وكيانهم التنظيمي، وله عشرات المقالات في هذا الباب، حتى إن عموده اليومي في صحيفة الشروق المصرية لا يخلو أسبوعيًّا من انتقاد التيار السلفي مرة أو مرتين، حتى في الفترات النادرة التي مدح فيهم السلفيين مدحهم كمدح المتنبي لكافور؛ أي قدح مُغلّف بمدح.

هذه الخلفية الثقافية المضطربة، والاختيار الإسلامي للمدرسة العقلانية جعل الأستاذ فهمي من ضمن أشد المدافعين عن فكرة التقريب بين الشيعة والسنة، بل لا أكون متجنيًا عليه لو قلت: إنه من ضمن الكتيبة الإيرانية في حياتنا الثقافية العربية، فهو دائم الدفاع عن إيران وسياساتها وإجراءاتها، وفي نفس الوقت دائم الانتقاد لكل ما يتعارض مع السياسة الإيرانية.

وبلغ به حماية الجناب الإيراني أنه قد انتقد ما قام به الرئيس مرسي من الترضية على الصحب الكرام - رضوان الله عليهم- في طهران الشهر الماضي في مؤتمر دول عدم الانحياز، ووصفها بالخطوة غير الملائمة!! وهويدي أول من طرح فكرة "التشيع السياسي"، وولاؤه للمشروع الإيراني جعله يُطبق فمه تمامًا عن الجرائم الإيرانية في سوريا واليمن والبحرين، ومنحازًا لـ "حزب الله" اللبناني في توترات الداخل اللبناني!!

أنا أعلم يقينًا أنّي سأتعرض لكثير من الانتقاد من جانب محبي الأستاذ فهمي وهم كثير، وستنطلق الكلمات والعبارات مثل الطلقات، ولكن الحق أحق أن يُتبع، فما مثل الأستاذ الكبير إلا كمثل شجرة الموالح، عام يطرح طرحًا نضيجًا حلوًا، وعام يطرح طرحًا فجًّا مرًّا، وعلى مَن يتناول هذا الطرح أن يفرِّق بين النضيج والفج، فيأخذ ما ينفعه ويترك ما يضره.

الكاتب: شريف عبد العزيز

المصدر: موقع مفكرة الإسلام